فصل: تفسير الآيات (118- 120):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (118- 120):

{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}
قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فإن قيل كيف طلب المغفرة لهم وهم كفار، وكيف قال: وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة، قيل: أما الأول فمعناه إن تعذبهم بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم بعد الإيمان وهذا يستقيم على قول السدي: إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة.
وقيل: هذا في فريقين منهم، معناه: إن تعذب من كفر منهم وإن تغفر لمن آمن منهم.
وقيل: ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال: فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده.
وأما السؤال الثاني: فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور لالرحيم، وكذلك هو في مصحفه، وأما على القراءة المعروفة قيل فيه تقديم وتأخير تقديره: إن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم.
وقيل: معناه إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز في الملك الحكيم في القضاء لا ينقص من عزك شيء، ولا يخرج من حكمك شيء، ويدخل في حكمته ومغفرته وسعة رحمته ومغفرته الكفار، لكنه أخبر أنه لا يغفر وهو لا يخلف خبره.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمر بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} الآية. وقول عيسى عليه السلام: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فرفع يديه وقال: اللهم أمتي وبكى فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الله، فقال الله تعالى: «يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك».
{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} قرأ نافع {يوم} بنصب الميم، يعني: تكون هذه الأشياء في يوم، فحذف في فانتصب، وقرأ الآخرون بالرفع على أنه خبر {هذا} أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم ونطقت به جوارحهم فافتضحوا، وقيل: أرادوا بالصادقين النبيين.
وقال الكلبي: ينفع المؤمنين إيمانهم، قال قتادة: متكلمان لا يخطئان يوم القيامة عيسى عليه السلام، وهو ما قص الله عز وجل، وعدو الله إبليس، وهو قوله: {وقال الشيطان لما قضي الأمر}، الآية، فصدق عدو الله يومئذ، وكان قبل ذلك كاذبا فلم ينفعه صدقه، وأما عيسى عليه السلام فكان صادقا في الدنيا والآخرة، فنفعه صدقه.
وقال عطاء: هذا يوم من أيام الدنيا لأن الدار الآخرة دار جزاء لا دار عمل، ثم بيّن ثوابهم فقال: {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ثم عظّم نفسه. فقال: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

.سورة الأنعام:

مكية، وهي مائة وخمس وستون آية، نزلت بمكة جملة ليلا معها سبعون ألف ملك قد سدوا ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتمجيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وخر ساجدا».
وروي مرفوعا: «من قرأ سورة الأنعام يصلي عليه أولئك السبعون ألف ملك ليله ونهاره».
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت سورة الأنعام بمكة، إلا قوله: {وما قدروا الله حق قدره}، إلى آخر ثلاث آيات، وقوله تعالى: {قل تعالوا أتل}، إلى قوله: {لعلكم تتقون}، فهذه الست آيات مدنيات.

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة، وآخر آية في التوراة، قوله: {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} الآية [الإسراء- 111].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: افتتح الله الخلق بالحمد، فقال: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض}، وختمه بالحمد فقال: {وقضي بينهم بالحق}، أي: بين الخلائق، {وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر- 75].
قوله: {الحمد لله} حمد الله نفسه تعليما لعباده، أي: احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض، خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وفيهما العبر والمنافع للعباد، {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} والجعل بمعنى الخلق، قال الواقدي: كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما الليل والنهار.
وقال الحسن: وجعل الظلمات والنور يعني الكفر والإيمان، وقيل: أراد بالظلمات الجهل وبالنور العلم.
وقال قتادة: يعني الجنة والنار.
وقيل: معناه خلق الله السموات والأرض، وقد جعل الظلمات والنور، لأنه خلق الظلمة والنور قبل السموات والأرض.
قال قتادة: خلق الله السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل».
{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أي: ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون، أي: يشركون، وأصله من مساواة الشيء بالشيء، ومنه العدل، أي: يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته، وبه قال النضر بن شميل، الباء بمعنى عن، أي: عن ربهم يعدلون، أي يميلون وينحرفون من العدول، قال الله تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله} أي: منها.
وقيل: تحت قوله: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} معنى لطيف، وهو مثل قول القائل: أنعمت عليكم بكذا وتفضلت عليكم بكذا، ثم تكفرون بنعمتي.

.تفسير الآيات (2- 3):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}
قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} يعني آدم عليه السلام، خاطبهم به إذ كانوا من ولده. قال السدي: بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها، فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني، فرجع جبريل ولم يأخذ وقال: يا رب إنها عاذت بك، فبعث ميكائيل، فاستعاذت فرجع، فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره، فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء، فلذلك اختلفت ألوان بني آدم، ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر، فلذا اختلفت أخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت: رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها، لا جرم أجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك.
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خلق الله آدم عليه السلام من تراب وجعله طينا، ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا ثم خلقه وصوّره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار، ثم نفخ فيه روحه».
قوله عز وجل: {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} قال الحسن وقتادة والضحاك: الأجل الأول من الولادة إلى الموت، والأجل الثاني من الموت إلى البعث، وهو البرزخ، وروي ذلك عن ابن عباس، وقال: لكل أحد أجلان أجل إلى الموت وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر، وإن كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: الأجل الأول أجل الدنيا، والأجل الثاني أجل الآخرة، وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثُمَّ قَضَى أَجَلا} يعني: النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع عند اليقظة، {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} يعني: أجل الموت، وقيل: هما واحد معناه: ثم قضى أجلا يعني: جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها، {وأجل مسمى عنده} يعني: وهو أجل مسمى عنده، لا يعلمه غيره، {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} تشكّون في البعث.
قوله عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ} يعني: وهو إله السموات والأرض، كقوله: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}، وقيل: هو المعبود في السموات والأرض، وقال محمد بن جرير: معناه هو في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض، وقال الزجاج: فيه تقديم وتأخير تقديره: وهو الله، {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} في السموات والأرض {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} تعملون من الخير والشر.

.تفسير الآيات (4- 7):

{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{وَمَا تَأْتِيهِمْ} يعني: أهل مكة، {مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} مثل انشقاق القمر وغيره، وقال عطاء: يريد من آيات القرآن، {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} لها تاركين بها مكذبين.
{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} بالقرآن، وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم، {لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه، أي: سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذبوا.
قوله عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} يعني: الأمم الماضية، والقرن: الجماعة من الناس، وجمعه قرون، وقيل: القرن مدة من الزمان، يقال ثمانون سنة، وقيل: ستون سنة، وقيل: أربعون سنة، وقيل: ثلاثون سنة، ويقال: مائة سنة، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بُسْر المازني: «إنك تعيش قرنا»، فعاش مائة سنة فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن، {مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} أي: أعطيناهم ما لم نعطكم، وقال ابن عباس: أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود، يقال: مكنته ومكنت له، {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} يعني: المطر، مِفْعَال، من الدر، قال ابن عباس: مدرارا أي: متتابعا في أوقات الحاجات، وقوله: {ما لم نمكن لكم} من خطاب التلوين، رجع من الخبر من قوله: «ألم يروا» إلى خطاب، كقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس، 22].
وقال أهل البصرة: أخبر عنهم بقوله: {ألم يروا} وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم خاطبهم معهم، والعرب تقول: قلت لعبد الله ما أكرمه، وقلت: لعبد الله ما أكرمك، {وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا} خلقنا وابتدأنا، {مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}.
قوله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} الآية، قال الكلبي ومقاتل نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد، قالوا: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله، فأنزل الله عز وجل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} مكتوبا من عندي، {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} أي: عاينوه ومسوه بأيديهم، وذكر اللمس ولم يذكر المعاينة لأن اللمس أبلغ في إيقاع العلم من الرؤية فإن السحر يجري على المرئي ولا يجري على الملموس، {لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} معناه: لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي.

.تفسير الآيات (8- 11):

{وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}
{وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} على محمد صلى الله عليه وسلم، {مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ} أي: لوجب العذاب، وفرغ من الأمر، وهذا سنة الله في الكفار أنهم متى اقترحوا آية فأنزلت ثم لم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب، {ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ} أي: لا يؤجلون ولا يمهلون، وقال قتادة: لو أنزلنا ملكا ثم لم يؤمنوا لعُجّل لهم العذاب ولم يؤخروا طرفة عين، وقال مجاهد: لقضي الأمر أي لقامت القيامة، وقال الضحاك: لو أتاهم ملك في صورته لماتوا.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا} يعني: لو أرسلنا إليهم ملكا {لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا} يعني في صورة رجل آدمي، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وجاء الملكان إلى داود في صورة رجلين.
قوله عز وجل: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} أي: خلطنا عليهم ما يخلطون وشبّهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أم آدمي، وقيل معناه شَبّهوا على ضعفائهم فشبّه عليهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هم أهل الكتاب فرقوا دينهم وحرفوا الكلم عن مواضعه، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم وقرأ الزهري {وَلَلَبَسْنَا} بالتشديد على التكرير والتأكيد.
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما استهزئ بك يا محمد يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم {فَحَاقَ} قال الربيع بن أنس فنزل، وقال عطاء: حل، وقال الضحاك: أحاط، {بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: جزاء استهزائهم من العذاب والنقمة.
{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المكذبين المستهزئين، {سِيرُوا فِي الأرْضِ} معتبرين، يحتمل هذا: السير بالعقول والفكر، ويحتمل السير بالأقدام، {ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي: آخر أمرهم وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك، فحذّر كفار مكة عذاب الأمم الخالية.